١‏/٧‏/٢٠٠٨

الولدان السيس المخلدون (11) : "فجأة"

وجدت نفسي في هذا المكان ..
صالة متوسطة المستوى, أجلس متأنقاً ببدلة , وبجواري أمي الريفية المسنة , كانت تحادث رجل يجلس في مواجهتنا ببدلة الموظفين الصيفية , تقول له أشياءً حول رغبتها في تزويج ولدها الوحيد لابنته الوسطى ...
عندها استوعبت الموقف , وعدت لوعيي ثانية ..
حالة ذهول تنتابني كثيراً بعد ما حدث لي !
تمردت على كل الموروثات بالعقل لا بالشهوة ..
قريتي وديني ومجتمعي ..
قررت أن أعيش حياتي كما أريد ..
أعجبتني ..
تعرفت عليها ..
أحببتها ..
حررتها بالفكر..
خلعت حجابها ..
مارسنا الجنس .. كانت عذراء ..
كنت أقول إني لو ضاجعتها كعشيقة فسوف تستمر علاقتي معها ..
لكن لو كزوجة بحكم المجتمع ..
سأخاف من الفشل .. وعندما أخاف من الفشل .. أفشل دائماً!
لكني ضحيت بكل هذا وأردت أن أكافئها بي , وأكافئني بها ..
سأتزوجها ..
كنت أسخر من أمي كلما طلبت رأيي في فتاة ما للزواج منها!..
ورغم قلقها من رغبتي في الزواج من فتاة تزاملني المهنة ..
إلا أنها فرحت ..
فقط .. أرادت أن ترى ولدها الوحيد .. زوجاً والمهم أباً ..
كنت في ذلك الوقت اشتَغِل بالصِحافة ..
أكتب المقالات النارية لمهاجمة القديم بكل أنواعه..
لدرجة أنهم لقبوني بــ"ملك الاستفزاز و المفرقعات!".
وكنت أصرخ كثيراً "أنا لا أطالب بالشهرة لكني لن أرفضها لو أتت .. فأنا أكتب ما اقتنع به من أفكار و ليس ذنبي أن أفكاري تحدث فرقعة !"
كانت تملؤني الثقة .. فاحتواني الغرور!
كنت أيضاً أقوم بكتابة عمود أسبوعي في الجريدة ذاتها ..
عنونته باسمها!..
لم أكن لأتخيل في نفسي القدرة على الكتابة الرومانسية ..
وخط الأشعار من أجلها..
وكنت عند صديقي الأثير .. وزميلي المُقرَّب في الجريدة - الذي كنت واسطته في الالتحاق بها - شاعره المفضل!
ولا أعلم ..هل كان يقول هذا لأني صديقه أم لأنه يراها تستحق ما كنت أخطه لأجلها ..
كنت قد عرفتهما على بعضهما البعض ..
علها تجد من بمثابة أخٍ لي – و من ثم لها - تثق به ثقة مطلقة مثلما أفعل ..
وكنت أطلب منه أن يهتم بأمرها عندما أغيب عن القاهرة في بعثة صحفية للخارج أو عند ذهابي لقريتي لتقبيل رأس أمي ..
"كن بجوارها كأنك أنا" ..
وبالفعل كان كأنه أنا ..
وهي .. عاملته كأنه أنا..
الفعل المعتاد يا عزيزي..
نحن نشفق على الآخرين كأننا أنبياء , ثم نلعنهم عندما نصبح منهم!
المريض بسرطان الرئة ينصحك بعدم التدخين , فتوافقه شفقة بحاله ورأفة منك بحقده الخفي!
"اللعنة على الآخرين حين نصبح منهم"!
أخبرتني هي بهذا بعدما فرغنا من وجبة جنس ممتعة ..
قالت أنها تريد الاعتراف بسر يؤرق مضجعها..
أخبرتني بما حدث ..
وأنا انتظرها لتخبرني إنها تمزح دون أن تبدو علي معالم هذا الانتظار..
لم تكن تمزح..
فقط سألتها "لمَ الخيانة؟؟"
فأقسمت بإله مزيف على أن الخيانة لم تقع!
قديمي الآن يسخر من جديدي ..
يلتف حولي الشيوخ وذوي الطرابيش والمحافظين ليخرجوا لسانهم لي
"مش قلنالك"!
قديمي يطرح الآن سؤال على جديدي
"فتاة تزني معك فلن تخجل من الحلف الكاذب!"
جديدي يندهش "تزني؟!!"....
أول مرة أقرن هذا بما تفعله معي!
أنت تقول إنه يجب أن نستمتع بحياتنا لكن لا نضر بأحد...
و صديقك لم يقتلها أو يضربها...هو فقط أسعدها!.....
الآن السعادة أصبحت سيئة؟؟؟!!!
تواصل هي تبريرها....و يواصل قديمي السخرية من جديدي!
كنت تحرف من الحقائق ليتماشى مع هواك و تقنع به من يقلون عنك سذاجة!
كنت تقتنع ببطلان حقائق الآلهة .. فتمثل على البسطاء أنك المؤمن المستنير الفاهم ..
أنت أيها المحورَّاتي ..
تخبرك أنها نامت معه بلا حب .. بلا شهوة .. لم تستمتع كما تفعل معك!
فلترد على هذا التبرير وتتجه للآلهة الأسطورية ثانية نتيجة لعقدة كــ "سيد قطب" الذي كان يشبه الفأر .. أو أن تعلن الحقيقة بوضوح وبصراحة وبكل شجاعة .. وتعترف أمام البشر أجمعين أنه لا يوجد آلهة وأنها خائنة وأنك صحفي فاسد منافق!
أخبرني ماذا ستفعل إذن أمام هذا التبرير أيها المبرراتي العظيم!
ويل لك يوم تعود لقديم كلامك..
ذهبت لأمي باكياً وأخبرتها إنها ماتت ..
فحاولت أن تداري فرحتها قدر المستطاع ..
وبعد أسبوع وجدتني في تلك الصالة ..
الأب من أصول ريفية .. ومنزل عائلته قُرب منزل عائلتي في القرية ..
يبدو أن الأب وافق ..
وكذلك العروس التي أتت بالعصير تصطنع الخجل..
كانت الصورة أجمل منها...
لكنها كانت جميلة!
......................
يقول السيس :
"تذهب لتتزوج فتاة عذراء , تتظاهر بالخجل , جسدها يحمل بصمات أيادي أبناء الأعمام والجيران على الأقل . أو قبلة من زميلة الكلية في سيارته .. أو على الكورنيش .. لتجلس بعدها في حفل عائلي بهيج وتنظر لابن عمها محاولاً أن تستشف ما يدور في ذهنه : هل يسخر مني لأني أخذت واحدة (عدى عليها) قبلي؟ , هل يشعر بالندم؟ هل يتجرع كأس ذكريات مع عقله دون ندم أو سخرية؟ هل سيبدو لكم واضحا موقفي عندما ألقي عليها يمين الطلاق علانية بعد زواجي منها بعشر دقائق!"
..........................
وبعدها تعرفت على أختها الكبرى ..
كانت تبدو ذابلة , كأنها مريضة بفقر دم مزمن
ومعها زوجها..
الذي عندما رأيته وجدت به شيئاً مألوفاً ..
شيئاً يوحي لك أنك تريد هذا الشخص ليكون صديقك..
لكن بعدما تحدثت معه ..
تبدل لدي هذا الإحساس ..
وأدركت سبب ذبول زوجته..
كان معتداً جداً بنفسه..
يضع عطراً مستفزاً , عذب الرائحة ..
فاتح معظم أزرار قميصه ..
أخبرني أنه قارئ نهم للكتب , ومشاهد شرس للأفلام , ومستمع رهيب للأغاني
"و بطل كمال أجسام.. وده أهم حاجة"
فأصابني بعض التلعثم وأنا أحادث تلك الموسوعة الهائلة .. خاصة وكنت قد فقدت كل ثقتي بنفسي بعد أن استقلت من الجريدة , واعتزلت الحياة الاجتماعية..
سألته "على كدة حضرتك بتشتغل ايه؟"
صوب عينيه على عيني فارتجفت رغماً عن ثباتي ..
وأخذت شفتاه المزمومتان في الاتساع ببطء قاس ليفرج عن إبتسامة مُلجمة..
يربت على ظهري...
"شرفتنا يا بطل"!
كنت أريد أن أسأله عن عمره , وكيف يمكنه محادثتي بمثل هذه الاستهانة! .. إلا إني قلت في نفسي حتى لو كان يكبرني بألف عام فهذا ليس مبرراً..
أثرت الصمت , متجرعاً طريقته هذه على مضض ..خاصة وإني أضعف من الرد ..
وأيضاً لم يكن هناك أحد يلحظ كلامنا!.
..........................
دق جرس الباب ..
هي الأخت الصغرى..
كانت أجملهن , وإن اكتسب جمالها مسحة هبل لا تخفى!
أكاد أقسم أن تلك الفتاة عائدة من حضن شاب!
هناك نظرة خفية , تشي بلغة مشتركة , دارت لوهلة بين النطع -زوج الكبرى- وبين الأخت الصغرى .. نظرة جعلتني أخمن بحاستي الصحفية "أن هناك شيئاً"
ما هو؟...
لا أعلمه...
لكن يبدو أن الفضول هو الذي سيحركني ثانية نحو الحياة الاجتماعية ..
النطع يخبرني أنه يضرب زوجته يومياً!
.........................
السيس يقول :
"من الصعب أن تربط كرامتك بشئ لا تتحكم فيه إراديا أثناء غيابك عنه , حتى لو كان هذا الشئ قلم رصاص .. هناك من يتزوج الدميمة حتى لا تتاح لها فرصة أن تخونه أو على الأقل تقل النسبة .. أنت فقط لن تضرب زوجُك لأنك لست بصارم وتخشى أن يؤثر هذا عليها سلباً .. أن يضربها شخص ضعيف النظرة فتقرر خيانته."
"أنت لا تضربها حتى لا تخسر حصتك من صراحتها!"
"النساء أصلا مخلوقات غريبة,يجب أن تعامل كالآلات,موجودة لكي تستمر البشرية وشهوة الإنسان الجنسية , لكن حدث خلل ما في تلك الآلات وألفيناها بعقول تفكر وتتكلم وتطالب بالتحرر وتنظم اجتماعات للمرأة"
............................
كنت سأرد رد تقليدي على الأب الذي سأل :
"آمال العريس ساكت ليه؟"
حتى قطع النطع خروج الكلام من فمي.
انحنى على أذني وقال :
"ايه رأيك في المزة الصغيرة؟"...
ابتسمت و كدت أنطق بالمزاح , حتى تذكرت أن طبيعتي الريفية لا تسمح بهذا خاصة وإننا في منزل عائلة لا في بيت دعارة...
وإن كانت هناك مُزَّة صغيرة , إذن فمن سأتزوجها هي المُزَّة الوسطى..
لم أكن أعلم أبداً في نفسي إني من النوع الذي يحول من اليسار المتمرد لليمين المحافظ عندما يتزوج..
حسبة واضحة لم أكتشفها إلا الآن .. أم لعل هذا أتى بعد ما حدث؟؟؟
أنا وحيد ومعي عشيقة , إذاً فحي على الحب واليسار...
لكن لو تزوجت......
(قطع أفكاري النطع -الذي كان منتظرا إجابتي- هامساً) :
"أنا بنام معاها على فكرة"
صدرت مني "هه؟؟!!"
فصدرت منه ضحكة هائلة ..
"مش بقولك مشرفنا يا بطل"!
.
(يتبع)
..................................

ليست هناك تعليقات: